عنوان المحاضرة: الإعلام الحسيني
قال تعالى:
﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾
[الأحزاب: 39]
⸻
المحور الأول: ما هو الإعلام؟
الإعلام في أصله رفعٌ للجهل، فحين تقول: “أعلمته”، أي رفعت جهله عن أمرٍ ما تطور الإعلام وتحول إلى أداة تأثر بشكل كبير على الرأي العام، بل وتصنعه حتى.
لقد أصبحت وكالات الاعلام قادرةً على توجيه الناس، بل أكثر من ذلك تسقط حكوماتٍ وتثبت أخرى
ومما تميز به الإعلام – سابقًا وحاضرًا – الافتراء والكذب، حيث كان أداة بيد المتسلطين وأصحاب النفوذ، يُزَيّفون به الحقيقة ويشوّهون الرموز.
فقد بلغ الكذب بالإعلام الأموي أن اتهموا أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنه المقصود بآية الخمر حاشاه بل وقالوا إن الحسين (عليه السلام) خارجي والعياذ بالله.
الإعلام كان يُسمى السلطة الرابعة، أما اليوم، فقد أصبح بحق السلطة الأولى.
⸻
المحور الثاني: الوقفة مع الآية الكريمة
قال تعالى:
﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ﴾
هذه الآية تُشير إلى الطبيعة الإعلامية في وظيفة الأنبياء. فهم يُبلّغون رسالات الله، ويواجهون بذلك المجتمعات والطغاة، حتى لو كلّفهم ذلك أرواحهم.
الإعلام الذي يحمله الأنبياء هو إعلام رباني رحماني، يقابل الإعلام المزيّف والمضلِّل.
• “ويخشونه”: دليل على الورع والتقوى، فلا يمكن أن يكذب المبلّغ أو يحرّف؛ لأنه يخشى الله تعالى.
• “ولا يخشون أحدًا إلا الله”: أي أنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يخافون حاكمًا أو جلادًا أو مجتمعًا، لأنهم تيقّنوا أن الله هو الحسيب والمحاسب الوحيد.
“وكفى بالله حسيبًا”؛ أي لا حاجة لمحاسبة الناس إذا كان الله شاهداً ورقيبًا.
و بحسب المفهوم القرآني:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
فالمُبلّغ الرباني هو عالم حقيقي ايضاً، يُبلّغ بصدق، وبلا تزوير أو تحريف .
⸻
المحور الثالث: أصول الإعلام الحسيني
1. الاتصال:
الاتصال من أهم أركان الإعلام. وينقسم إلى:
• اتصال فردي: كما في لقاء الإمام الحسين (عليه السلام) مع زهير بن القين، الذي نجح فيه الإمام باستمالته، فصار من شهداء كربلاء.
• اتصال فردي آخر: مثل اتصاله مع عبيد الله بن الحر الجعفي، الذي رفض الانضمام للإمام و عرض عليه السيف والفرس. فقال له الإمام:
“أما إذا منعتنا من نفسك فلا حاجة لنا في فرسك ولا في سيفك.”
• اتصال جماعي: الخطابة – الإمام الحسين (عليه السلام) كان خطيبًا بليغًا، وخطاباته في مكة، وكربلاء، ومع وأعدائه كانت موجّهة تُقيم الحجة وتُحرّك الضمائر.
2. استغلال الظروف الزمانية والمكانية:
الحسين (عليه السلام) استغل وجوده في مكة، وخرج منها ليلة التروية (ليلة الثامن من ذي الحجة)، وهذا الخروج كان غريبًا ومثيرًا للتساؤل، فشكل حدثًا إعلاميًا مؤثرًا.
3. الشعارات:
شعارات الحسين (عليه السلام) ليست شعارات جوفاء بل هي شعارات حقيقية.
مثل:
• “هيهات منّا الذلّة”
• “هون ما نزل بي أنه بعين الله”
• كلمة العقيلة زينب (عليها السلام): “ما رأيتُ إلا جميلًا”
هذه الشعارات تُعبّر عن عمق العقيدة، وثبات الموقف، ورباطة الجأش.
4. الشعر:
الشعر أداة إعلامية مؤثرة على مرّ العصور.
• في كربلاء، كان الإمام وأصحابه يرتجزون الأشعار قبل المعركة، يُعرّفون بأنفسهم، ويُلقون موعظة تُسقط عنهم التكليف، ثم يواجهون القوم.
• وفي العصر الحديث، رأينا كيف اهتز صدام المقبور من قصيدة “يحسين بضمايرنا”، التي هزّت مشاعر الشيعة وأزعجت هذا الطاغية اللعين وهزت اركانه.
⸻
المحور الرابع: خصائص الإعلام الحسيني
1. الوضوح والشفافية:
الإمام الحسين (عليه السلام) لم يُخفِ أهدافه، بل قالها بوضوح:
“إني لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا، ولا مُفسِدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدي.”
وقال أيضًا:
“من لحق بي استُشهد، ومن لم يلحق بي لم يُدرك الفتح.”
في خطبته الشهيرة قال:
“اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافسًا في سلطان، ولا التماس شيءٍ من فضول الحطام، ولكن لنُريَ المعالم من دينك…. اخبره لست اخرج من اجل امور الدنيا وسماها فضول الحطام
“خيرٌ لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأني بأوصالي تُقطّعها عُسلان الفلوات.”
اخبرهم بصراحة اننا نخرج فنقتل ونستشهد فمن رحل معنا يستشهد كذلك .