ملخَّص محاضرة الليلة الرابعة
[دولة الحسين]
قال تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلْأَشْهَٰدُ).
غافر – 51
الحديث حول التصوُّرات المحتملة لمعنى الدولة الحسينيَّة وفق ما دلّت عليه الروايات.
مقدّمة : يُثار الكلام حول عقدةٍ وُجِدَت عند الشيعة بسبب عدم إقامة الأئمة دولًا، وهي عثقدة (التطلُّع لإقامة دولة) يحكم فيها الأئمة، وهذا ما يخلق لديهم سوء مواطنة في بلدانهم ويجعلهم أهل فوضى.
في الردّ على هذا الادّعاء:
الشيعة يتّبعون منهج أئمتهم، والإمام الحسين (ع) يقول: “اللهم إنَّك تعلم أنَّه لم يكن للذي كان منّا تنافسًا في سلطان”.
وقد جسَّد أمير المؤمنين نفس هذا الموقف عندما قال لابن عبَّاس “إنَّ إمرتكم هذه أهون من شسع النعل هذا إلّا أن أُقيم حقًّا أو أدحض باطلًا”
ولو كان الشيعة طلَّاب سلطة لأقاموا دولا وتسلّطوا على المكوّنات الاجتماعية الأخرى في الدول التي يشكّلون فيها قوّة كبيرة (كلبنان مثلًا)، بينما نجدهم أحرص الناس هناك على الدفاع عن باقي المكوّنات وعن بقيّة المسلمين في لبنان والمنطقة.
بالإضافة إلى أنّهم يرجعون إلى مراجعٍ يمثّلون الزهد والإعراض عن الدنيا.
والأمثلة من الواقع واضحة، ففي ثورة العشرين أخرج الشيعة الإنجليز من العراق ولم يطلبوا سلطة، وفي قضية داعش أيضًا.
ما هي التصوُّرات المطروحة لمصطلح دولة الإمام الحسين؟
التصور الأول: هو التصوّر الغيبي الواردة في تفسير الآية صدر البحث. حيث تشير الروايات إلى أنَّ النصر الموعود للرسل لم يتحقّق في الدنيا حتى الآن.. فالنصر المقصود هو فيما يُعرف بعقيدة الرجعة، والإمامية يؤمنون بالرجعة إجمالًا، والروايات تشير إلى رجعة الإمام الحسين في آخر حقبة حكومة صاحب الزمان (ع). وبعض التفاسير تُفسّر الأشهاد برجعة الأئمة.
التصوُّر الثاني: أنَّ خروج الإمام الحسين كان من أجل إقامة دولة.
وهذا تصوُّر افتراضيّ لأنّه بحسب رأي كثير من الباحثين أنَّ المشروع الحسينيّ لم يكن مشروع إقامة دولة، بل كان مشروعًا استشهاديًّا بغرض تحريك وعي الأمة وبصيرتها. ويُفهم هذا المعنى من النصوص المقدّسة غير القرآن، ومن الروايات الكثيرة في مقتل الحسين (ع) قبل استشهاده.
فعلى افتراض تصوّر خروج الإمام الحسين لإقامة دولة فقد صرَّح عن معالم هذه الدولة: (أريد أن أسير بسيرة جدّي وأبي أمير المؤمنين)، فإذن هي دولة على غرار دولة النبيّ (ص) ودولة أمير المؤمنين، وقد رأى الناس عدل هتين الدولتين ومؤسساتهما وو.
التصوُّر الثالث: ليس المقصود هنا الدولة بالمعنى السياسيّ، وإنما باعتبار النتائج والإنجازات التي حقّقتها حركة الإمام الحسين، والتي تفوق إنجازات دولٍ مجتمعة والأمثلة كثيرة.
انظر إلى إنجازات العتبتين الحسينية والعباسية ومشاريعها التعليمية وبناء المدارس والمستشفيات والمؤسسات والبنى التحتية ونشر الكتب والعلوم ووو، ومشاريع استصلاح الأراضي، والكهرباء، والصحّة.. كلها مشاريع نوعيّة. هذه إنجازات حققتها مؤسسة حسينية واحدة وقد عجزت دول عن إنجازها.
زيارة الأربعين -كنموذج- أكثر من 25 مليون إنسان يتم إطعامهم وإيواؤهم وتطبيبهم وتأمينهم وو في أيام طويلة، ويتم ذلك بكل انسيابية.. هذا الأمر تعجز عنه دول.
مثال آخر: حسب إحصائية تُقام لدينا في البحرين 10 آلاف مجلس حسينيّ تقريبًا خلال الثلاثة عشر يومٍ الأولى من المحرَّم. هذه منتديات فكرية وبحثية ضخمة لا تصرف عليها الحكومات أموالًا، بل تقيمها الناس ذاتيًا بدافع حسينيّ. وقس على ذلك بلدانًا أكبر من البحرين بكثير.
وغيرها من الأمثلة: قيام دولة ببركات الدافع الحسيني (الإمام الخميني: كل ما لدينا من محرم وصفر)، والحركة الشيعية في العالم التي تدافع عن المظلومين في وجه الظلم وفي وجه إسرائيل والغرب،…