الليلة التاسعة محرم ١٤٤٥ هجرية | عنوان المحاضرة | تصفير المشاكل بين الوالدين و الأولاد

الليلة التاسعة محرم ١٤٤٥ هجرية | عنوان المحاضرة | تصفير المشاكل بين الوالدين و الأولاد

الليلة التاسعة

مُلخَّصُ مُحاضَرةِ ليلةُ التَّاسِعِ من مُحَرَّم (تَصفيرُ المَشَاكِل بينَ الوَالِديْنِ والأولادِ)

في الكتاب الـ 31 من نهج البلاغة وهو كتاب إلى الحسن ع: “ووَجَدْتُكَ بَعْضِي ، بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي ، حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي ، وكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي ، فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِينِي مِنْ أَمْرِ نَفْسِي ، فَكَتَبْتُ إِلَيْكَ كِتَابِي ، مُسْتَظْهِراً بِه إِنْ أَنَا بَقِيتُ لَكَ أَوْ فَنِيتُ.”

ليس المقصود بالتَّصفير إنهاءُ المشاكِل والقضاءُ عليها، وإنّما التّعامُلُ العَقلانِيُّ لحلِّ المشاكل وتوظيفها أو احتوائها أو تجميدها.

وقفة مع قواعد مُستفادة من الكتابِ والعترة؛ لإيجاد حالة من إدارة المشاكل بين الآباء والأولاد.

المِحْوَرُ الأَوَّلُ: أَنْمَاطُ العَلاقَةِ بينَ الوَالِدَيْنِ والأَوْلادِ..

هناك تقسيمات كثيرة للعلاقة بين الوالدين والأولاد، نذكر اثنين منهما فقط.

التقسيم الأول: يُقسِّم العلاقة إلى ثلاثة أقسام، ثمَّ يذكُرُ نتائج ومُخرجات كل قسم.

  1. العلاقةُ الاستبدادية أو الدّكتاتوريّة: سلطةٌ مُستبدَّةٌ لا تسمحُ لأحدٍ أنْ يتحدّث ويُبديَ رأيَه، وقد يكون المستبد الأب أو الأم .

النَّتائِجُ والمُخرَجَات:

  • الأولادُ يعيشونَ حالةَ فشلٍ على مُستوى تعليمي في حياتهم العِلميَّة، وعمليّ في حياتهم الوظيفيَّة.
  • فشلُ العلاقاتِ الاجتماعيَّةِ (مَجمُوعةُ عُقَدٍ) لا يدخل في أيِّ علاقة حتّى لا يتعرّضَ للاستبدادِ بأنْ يكونَ مُسْتَبِدًّا أو مُسْتَبَدًّا عليه.
    والشَّواهدُ التي عَايَشنَاها في الواقع الاجتماعي كثيرة، ونتائجها الجُنُوحُ والإجرامُ كالإدمان والسرقة.
  1. العلاقة المُتسيِّبة:
    لا يوجد تحمُّلٌ للمسؤوليَّة، لا تُوجد رَقابة ولا مُتابعة من الوالدين للأولاد حين يرون انحرافات سُلوكيَّةً أو علاقاتٍ مُنْحرِفةً حتّى على مستوى السّؤال.

النَّتائِجُ والمُخرَجَات: قاعِدةٌ منطِقيَّةٌ (النَّتِيجَةُ تَتْبَعُ أَخَسَّ المُقَدِّمتَيْن)

إذا كان ربُّ البيتِ بالدَّفِّ ضارِبًا *** فَشِيْمَةُ أهلِ البيتِ كُلِّهِمُ الرَّقْصُ

  • التَّسَيُّب العِلميّ (الدِّراسة)، والعَمليّ (الوظيفة).
  • ولا يثبُت في العلاقاتِ الاجتماعيَّةِ.
  1. العلاقةُ الدِّمُقْرَاطِيَّةُ: (الأُسرةُ المُعتَدِلَة)
    تُوجد مساحة للحوار وإبداء الرّأي بين الوالدين والأولاد.

النَّتائِجُ والمُخرَجَات:

  • نجاح عِلميّ (الدّراسة) وعَمليّ (الوظيفة).
  • نجاحُ العلاقاتِ الاجتماعيَّةِ.

التَّقْسِيْمُ الثَّاني: مِنْ حَيْثُ الأَمَانُ

  1. علاقة آمنة: يشعرُ الأبناءُ بالأمانِ و السُّكونِ النَّفْسِيّ عِنْدَ رُجُوعِ الأبناءِ لآبائِهِم في المَشَاكِلِ، وهو أَرقَاها.
  2. علاقة مُتَجنِّبَةٌ للأمانِ: يُفَكِّرُ الأبناءُ فيها بالبحثِ عن بيئةٍ آمنةٍ وتركِ البيتِ.
    (يَفْقِدُ الأمْنَ مِنْ المَكانِ الذي ينبغي أنْ يَجِدَ فِيْهِ الأمنَ، وهو أَكثَرُ مَكانٍ يَحتاجُ فِيهِ إلى الأمنِ)
  3. بَيْنَهُمَا علاقة غَيْرُ مُنَظَّمَة: لا يعلمُ الولدُ أَيَأْمَنُ أمْ لا يَأْمَنُ.
  4. بَيْنَهُمَا علاقةٌ مُتَنَاقِضَةٌ: مَرَّةً يَأْمَنُ ومَرَّةً لا يَأْمَنُ.

المِحْوَرُ الثّاني: قَواعِدٌ تَربَوِيَّةٌ مِنَ نُصُوصِ الثَّقَلَيْن لعِلاقةِ الأولادِ والوالِدَين.

القَاعِدَةُ الاُولى: إيجَادُ البِيْئَةِ
عندما تكون علاقةُ الأبِ والأمِّ علاقة حَمِيْمَةً تُشعرُ الأبناءَ بالأمن والحُبِّ.

الشَّاهِدُ الأَوَّلُ قُرْآنِيٌّ: ﴿وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا لِّتَسۡكُنُوۤا۟ إِلَیۡهَا وَجَعَلَ بَیۡنَكُم مَّوَدَّةࣰ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم ٢١]

  • وقفات: (ومن آياته): العلاقة بين الزوج والزوجة آية من الآيات الكونيَّة الفِطريَّة. / (من أنفُسِكُم): طبيعة واحدةٌ ينشدُّ بَعْضُهَا إلى بَعضٍ (قاعدة السِّنخِيَّة: السِّنخِيَّة دليلُ الانضمام) لا يأتَلِفُ شيئان إلا إذا كان بينهما تشابهٌ وتجانس./ (وجعل): أَوْجَدَ خِلْقَتَكُم كذلك، فالخِلْقَةُ الطَّبِيْعِيَّةُ تُوجدُ بينَكُما مَودَّةٌ ورحمةٌ.
  • مُهِمٌّ جِدًّا احترامُ الزَّوجَينِ لِبَعضِهِما خصوصًا أمام الأولاد.

الشَّاهِدُ الثَّانِي قُرْآنِيٌّ: حَدِيْثُ لُقمَان لابنِهِ وعلاقَتُهُ بهِ ﴿وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَـٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ یَعِظُهُۥ یَـٰبُنَیَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِیمࣱ﴾ [لقمان ١٣] والآيات التي بعدها.

عَلاقَةُ لُقْمان بابنِهِ عَلاقَةُ العَطْفِ والحُبِّ والحنان.

  • وقفات: (وهو يَعِظُهُ): الواو واو الحال، حالة لُقْمَان عندما يتحدَّثُ مع ولده يتحدَّثُ معه بالوعظ وهو النُّصح برقَّة وعطف. (يا بُنَيَّ) إِظْهارًا الأُبُوَّةُ وعُمْقُ العلاقة.

الشَّاهِدُ الثَّالِثُ رِوَائِيٌّ: الكِتَابُ الـ 31 من نَهْجِ البَلاغَةِ وهو دستُورٌ تَربَويٌّ.

  • أبدا فيه الأمير ع حالة غزيرة من الحُبِّ والحَنان، (بل وجدتُك كلي…) أنا وأنت شيء واحد.
  • ممَّا نستَفِيْدُهُ من أمير المؤمنين ع في هذا الكِتَاب أنَّنَا إذا لم نَستطِع التَّعبيْرَ لأولادنا عمَّا في داخلنا شفويًّا فلنُعَبِّر كتابيًّا.

القَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: التَّربيَةُ الصَّامِتَةُ

الشَّاهِدُ الأَوَّلُ رِوَائِيٌّ: عن الصَّادِقِ ع: “كُوْنُوْا لَنَا دُعَاةً بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُم”، و”كُوْنُوْا لَنَا دُعَاةً صَامِتِيْن”.

الشَّاهِدُ الثَّانِي رِوَائِيٌّ: قولُ أميرِ المُؤمِنينَ ع: “ولْيَكُنْ تَأْدِيبُه بِسِيرَتِه قَبْلَ تَأْدِيبِه بِلِسَانِه، ومُعَلِّمُ نَفْسِه ومُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالإِجْلَالِ، مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ ومُؤَدِّبِهِمْ”

أوَّل طريق من الطُرُق التَّربية الاقتداء، يرون الوالدين قدوةً في الصدق والأمانة، فهناكَ استحباباتٌ تدعوا لوجودِ القُدوةِ الحَسنَة في البيتِ:

  • يُستَحبُّ لِمَن وُفقَ للجَماعَةِ في المسجد في جميعِ فرائضِهِ أنْ يَجعَلَ نَوافِلَهُ في بَيتِه؛ حتّى لا تغيبَ القُدوةُ
  • يُستَحَبُّ للمَرأةِ في أيامِ عُذْرِهَا أنْ تَجلُسَ في مُصَلَّاهَا.

عَنْ الصادقِ ع أنهُ قَالَ لَمَّا : ” نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا … ﴾ جَلَسَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْكِي، وَقَالَ: أَنَا عَجَزْتُ عَنْ نَفْسِي، كُلِّفْتُ أَهْلِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: حَسْبُكَ أَنْ تَأْمُرَهُمْ بِمَا تَأْمُرُ بِهِ نَفْسَكَ، وَتَنْهَاهُمْ عَمَّا تَنْهَى عَنْهُ نَفْسَكَ”، جَوابُ النبيّ يُعدُّ منهجًا حضَاريًّا تربَويًّا راقٍ جِدًّا.

القَاعِدَةُ الثَّالِثَة: سَعَةُ الصَّدْرِ

الشَّاهِدُ الأَوَّلُ رِوَائِيٌّ: الصادق ع: “إذا لم تكن حليما فتحلم”.

الشَّاهِدُ الثَّاني رِوَائِيٌّ: عن النبيّ ص: “إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ”.

الشَّاهِدُ الثَّالِثُ رِوَائِيٌّ: عن أميرِ المؤمنين ع: “آلَةُ الرِّيَاسَةِ سَعَةُ الصَّدْرِ”

أهمُّ شيء في التَّعامُل مع المشاكِل التَّحلِّي بِسَعَةِ الصَّدرِ أوَّلًا ثُمَّ يُفَكِّرُ في حُلولٍ مُتَعَدِّدَةٍ .

لو اعتَمدنَا هذهِ القواعد في بيوتنا فإنَّ مِن شأنها أن تَحُلَّ أو تحتَويَ أو تجمّدَ المشاكلَ بين الوالدين والأولاد.

الفلاسِفةُ يُقَسِّمونَ الحُبَّ إلى قِسمين:
أ. حب بالذات: كحُبِّنَا للأقاربِ والأرحامِ، هذا الحب يكون بِغَضِّ النَّظرِ عن وجود صفاتٍ إيجابية أو عدم وجودها.
ب. حب بالعرض: كحُبِّنَا لولدٍ ليس من الأقاربِ، لكِنَّهُ على مستوى عالٍ من الخُلُقِ والدِّينِ والعِلم .. لابُدَّ أنْ تُحِبَّهُ.

لو وجدتَ في ولدك هذه الخصائصَ إضافةً إلى بنوتِهِ يَزيدُ حُبُّك له، الحسين ع يُحِبُّ علي الأكبر لأنَّهُ وَلَدُهُ، ولأنَّهُ:
جَمَعَ الصِّفاتِ الغُّرَّ وَهِيَ تُراثُه **** مِنْ كُلِّ غِطْرِيفٍ وَشَهْمٍ أَصْيَدِ
‏فِي بَأْسِ حَمْزَةَ فِي شَجاعَةِ حَيْدَر **** بِإِبا الحُسَيْنِ وَفِي مَهابَةِ أَحْمَدِ
‏وَتَراهُ فِي خُلُقٍ وَطِيبِ خَلائِقٍ **** وَبَلِيغِ نُطْقٍ كَالنَّبِيِّ مَحَمَّدِ

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *