قضية ورأي (6)
في طور لقاءات “لجنة العزاء”، وجهنا السؤال التالي للدكتور عبدعلي محمد حسن:
س: لو أردنا أن نوجه الشباب لفهم (لماذا نلطم) .. بلغتهم، ماذا نقول؟ مع توضيح الهدف من اللطم وأهميته؟
أولا: الدكتور عبدعلي محمد حسن:
ج: نحن لا نلطم، نحن نعزي بالحسين، نعزي النبي (ص)، ونعزي عليا (ع) والزهراء (ع) في مقتل سبط النبي (ص) ظلما وعدوانا من أمة خانت عهد الرسول. واللطم آلية من آليات العزاء وعادة متبعة عند العرب لإظهار الحزن. وقد تتغير هذه الآلية ويستمر العزاء بشكل وآليات أخرى.
وربما يأتي الوقت القريب الذي لا نحتاج فيه إلى اللطم، ولكن مسيرة العزاء ماضية بوسائل أخرى.
نحن نعزي بالحسين رسول الله وفاطمة وعلي ونعزي الأئمة وذرية الحسين والمؤمنين بمصاب الحسين لأنه مصاب الأمة ولأنه الجرح الأعمق الذي أصاب المسلمين.
ومن هذا العزاء نستخلص العظة والمعرفة، ومنه نتعلم القدوة والمشايعة، ومنه تنفتح نوافذ التاريخ الماضي فنستبين منها الأخطاء ونصححها ونتعلم الإصرار على متابعة الحق وإن عظمت التضحيات.
نعزي بالحسين لأنه المصاب الأكثر ألما، والجرح الذي لما يندمل بعد، وقصدنا أن يبقى وميض الحركة الحسينية باهرا كاشفا.
ثانيا: الأستاذ علي معراج:
ج: الأصــل في الأشــياء الإبـاحـة، واللّطم وســيلة مــن الوســائل الفطريّة الّتي عبّـر بها الإنسان عن حزنه وأســاه، ولا يمكن الفصل بين تاريخ استشهاد الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأنصاره بالطّريقة الفظيعة الموجعة الّتي حصلت وبين إقامة العزاء بأشـكاله المختلفة كتعبير إنساني عن فجيعة الأمة بها لاتصاله (ع) المحوري بالرّسالة الإلهية، فحينما تمر على الموالين ذكرى الحادثة الأليمة، يعبّرون عن ومودّتهم للنّبي (ص) وقرابته بحزنهم الشّديد لما جرى في كربلاء على سيد شباب أهل الجنة وإن اختلف التّعبيرعن هذا الحزن من زمن للآخر، وقد أضحى اللّطم إحدى الطّرق لإبراز الحزن والأسى على فقدان أبي عبد الله الحسين (ع).. ولا يلام الشّيعة إن ابرزوا حزنهم وأساهم على قتل ابن بنت رسـول الله (ص) خاصة مع وجـود روايات من طرق أهل العصمة والطّهارة ترجّح البكاء واللّطم حزنا على الحسين، وترى هذا العمل شعيرة من الشّعائر التي يتقرب بها المرء لنيل رضى الله سبحانه وتعالى..
ولم يعد خافيا من أنّ مراسم عزاء عاشـوراء أبقت القضية الحسينيّة متحركة ومتأجّجة تـعبئ الجماهير وتنطلق بهم للذّروة في طريق الله، وأضحى الحسين (ع) وعطاؤه رمزًا خالدا للرّسالة المحمّدية مهما طال الزّمن.. إنّ البكاء حالة إنسانية طبيعية وليست اختيارية، وتحصل من خلال استحضار العناصر التي تثير العاطفة فحينما ينكسر القلب تنطلق دموع العين باكية استجابة له:
تبكيك عيني لا لأجل مثوبة .. لكنّما عيني لأجلك باكيـة
وقد تطورت ظّاهرة اللّطـــم الحســيني حتى صــارت له أعــراف خاصة، وأنماط معينة، وزاد من تطورها تخصص البعض في إنشاد الشّعر الرّثائي، وقد تألق وبشكل لافت بعض المتميزين من الشّـعراء والرّواديد وتخلّدت بعض قصائد الرّثاء لتميّزها عن غيرها بتحقيق الغرض في المناسبة.
وقد تكون أول إشارة صريحة تدعو إلى اللّطم ما ورد في قصيدة دعبل الّذي ورد إلى مرو، بعد وصول الإمام الرضا “ع” إليها والتي يقول فيها:
أفاطم لو خلت الحسين مجدلا وقد مات عطشانا بشط فرات
إذن للطمت الخد فاطم عنـــده وأجريت دمع العين بالوجنات