ملخَّص محاضرة سماحة السيّد محيي الدّين المشعل
الليلة السادسة من المحرَّم الحرام 1447 هـ
{ وَٱلَّذِینَ جَاۤءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ یَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَ ٰنِنَا ٱلَّذِینَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِیمَـٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِی قُلُوبِنَا غِلࣰّا لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ رَبَّنَاۤ إِنَّكَ رَءُوفࣱ رَّحِیمٌ } [سُورَةُ الحَشۡرِ: ١٠]
افتتح سماحة السيد محاضرته بالآية السابقة التي تضمَّنت الدعاء، ولأن الدعاء يأتي انعكاسًا لطبيعة العلاقات البشرية تطرق سماحته إلى طبيعة الإنسان من وجهة نظر فلاسفة الاجتماع، حيث إنهم يذهبون إلى أن الإنسان مدني واجتماعي بطبعه، والمقصود من ذلك أنه ليس بمقدوره العيش بمفرده بل يحتاج إلى الآخرين، لذلك نرى تنوع أفراد المجتمع من حيث التخصصات والأدوار، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: { وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضࣲ دَرَجَـٰتࣲ لِّیَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضࣰا سُخۡرِیࣰّاۗ }، فليس من المعقول أن يتجه كل الناس إلى التَّخَصُّصِ في تخصصٍ واحد، فلا يمكن أن يتخصص الجميع في الطب على سبيل المثال لأنهم يحتاجون إلى من يدرس أبناءهم ويشيّد أبنيتهم ويلبي احتياجاتهم بمختلف أنواعها، وقد عزز سماحة السيد كلامه بمثال المسلمين حينما شعروا بالضعف في إحدى المعارك فقرروا الذهاب بكامل عددهم إلى القتال في المرة الثانية فنهتهم الآية { ۞ وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِیَنفِرُوا۟ كَاۤفَّةࣰۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةࣲ مِّنۡهُمۡ طَاۤىِٕفَةࣱ لِّیَتَفَقَّهُوا۟ فِی ٱلدِّینِ وَلِیُنذِرُوا۟ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوۤا۟ إِلَیۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ یَحۡذَرُونَ }[سُورَةُ التَّوۡبَةِ: ١٢٢] ، وذلك لأنهم إذا اتجهوا نحو الجهاد بأكملهم لن يبقى أحد ليملأ النقص في بقية المجالات..
تطرق سماحة السيد بعد ذلك إلى جانب الفتوى في هذه المسألة، وقد بين أن الفتوى في كل الحِرَف والتخصصات التي يحتاج إليها المجتمع تذهب إلى نحو الوجوب الكفائي، فالمجتمع الذي لا يوجد فيه طبيب يعالج مرضاه تقع على عاتقه مسؤولية توفير الطبيب على نحو الوجوب الكفائي، وقد وضح سماحة السيد أن هذه الفتوى تتعلق بالتخصصات التي تتوقف عليها حاجة المجتمع.
أشار سماحة السيد بعد ذلك إلى رأي العلّامة الطباطبائي في كون الإنسان ليس مدنيًا بالطبع ولا اجتماعيًا بالطبع، إنما الإنسان – في رأي العلّامة الطباطبائي – مُستخدمٌ بالطبع، مستعبد بالبطع، مسيطر بالطبع، ومتسلط بالطبع، وقد شرح سماحة السيد ما يقصده العلّامة، حيث إن الحالة الأُولى للإنسان هي تسخير كل شيء لخدمته، وقد استشهد العلّامة بقوله تعالى: { كَلَّاۤ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَیَطۡغَىٰۤ أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰۤ }، فالإنسان يصبح متعايشًا مع الآخرين عندما تكافئه قوة أخرى أو تأسس له ميزانًا للرعب.
توقف سماحة السيد بعد ذلك عند بعض الآيات التي تكشف عن حالة من الظلم في الأُسَر، وخصَّ بالذكر أسر الأنبياء إشارة إلى أن الظلم يقع على الرغم من أن هذه الأسر أسر الأنبياء، لذلك يجب الحذر. من هذه الأمثلة:
– أسرة النبي آدم (ع)، حيث حصل في هذه الأسرة نوع من الحسد نتج عنه القتل.
– أسرة النبي يعقوب (ع)، حيث تواطأ أبناؤه على أخيهم نبي الله يوسف (ع).
أشار سماحة السيد إلى أن القرآن الكريم يقدم للمجتمع سبل الرقي بمستوى العلاقات من خلال طرح عدة مشاريع اجتماعية، مثل:
١- الأخوَّة، { إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةࣱ }.
٢- التعامل مع الطرف الآخر وكأنه نفسك.
٣- الولاية، { وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ یَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَیُطِیعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ سَیَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ }
٤- الدعاء، حيث يدعو المؤمن لأخيه المؤمن، وقد أشارت الروايات والآيات إلى هذا الأمر كالآية التي افتُتِحتْ بها المحاضرة .
وقد اختتم سماحة السيد المحاضرة بتعديد بعض صور الأخوة وملاحم الفداء التي سطَّرها أصحاب الإمام الحسين عليه السلام في عاشوراء.