عنوان المحاضرة: “الحسين دليلٌ على الله”
المدخل: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (فصلت ﴿٥٣﴾)
الحسين آيةٌ من الآيات، يدور الحديث في محورين
المحور الأول: وقفة مع الآية. المحور الثاني: كيفية دلالة أهل البيتعلى الله.
أولًا: ما أهداف هذا الطرح؟
أهل البيت هم أدلة الله وآياته وبراهينه.
الهدف الأول عقائدي، وهو الارتباط بهم، حينما نصل إلى هذه النتيجة وهي أنهم أدلة على الله، فلا شك أن العلاقة تكون معهم أشد وأوثق وأقوى، وأحد آفاق المودة هو التعمق في سيرهم، واستنباط تجليات الوصول إلى الله عن طريقهم.
في قراءة مأثورة عن أهل البيت في قوله ” وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ” عن الإمام الصادق: “هو إذا المودة سئلت” المودة التي أمر الله بها، وجعلت أجرًا على تبليغ رسول الله، وقتل ذوي المودة؛ لذلك فالقراءة مناسبة، لماذا يأتي الرسول يوم القيامة على الحوض، ويروي الرواية عامة المسلمين في ذيل تفسير قوله ” وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ” في ذيلها ينقل المسلمون في صحاحهم: يأتي الرسول إلى الحوض فينادي: يا رب أصحابي، فيأتي النداء من الله: وما تدري ما أحدثوا من بعدك، فيقول: وما الذنب الذي أحدثوه يا رب؟ فيقال له: سلهم يا رسول الله. فيقول لهم: كيف خلفتموني في الثقلين؟ فيقولون: أما الثقل الأكبر فحرفناه أو حرقناه في بعض النصوص، أي تحريف المعنى، وأما الثقل الأصغر فقتلناهم وظلمناهم.
أول هدف هو تأكيد هذه العلاقة وتأكيد التفاعل مع المودة التي سبق وذكرت أنها أفق واضح من أفاقها أني أتعمق فيهم كآيات، والتعمق في الآية يكشف عن كونها دليلًا على موجدها وخالقها.
ثانيًا، هذا النمط من الاستدلال يعتمد على منطق الاستقراء وحساب الاحتمالات. وهذا ما يصلح حتى لغير المسلم والمؤمن. عندما نحاول الاستدلال بأهل البيت ومنهم الحسين على أنهم أدلة على الله، سنستدل بطريقة تعتمد على منطق الاستقراء وحساب الاحتمال، حيث تعد منهجًا استدلاليًا في جميع العلوم النظرية والتطبيقية والإنسانية.
هذا المنهج يمثل أساس الاستدلال في كل العلوم والمعارف، لما كتب السيد الشهيد الصدر كتاب الأسس المنطقية للاستقراء قال للغرب ولمنكري وجود الله والأديان إن هذا المنهج المستعمل الذي أثبت وجود الله هو ذات المنهج الذي عن طريقه تستدلون في علومكم البحتة والتطبيقية وغيرها، فما بالكم تقبلون نتائجه هناك، وترفضونها هنا؟ من الواضح أن هذا اضطراب في الموقف، فإذا كان المنهج سليمًاهناك، فينبغي أن يكون كذلك عندما طبقناه تطبيق دقيقًا.
ثالثًا، عن طريق هذا المنهج والطرح الذي نستدل بأهل البيت على الله، يمكن أن نحل مجموعة من الإشكاليات والإثارات حين يكون المنهج واضحًا وأدواته في أيدينا، نتمكن من تطبيقه تمام التطبيق على أهل البيت، فحينها يكون الأمر رافعًا لمجموعة من الشبهات والإشكالات التي قد نثيرها بعضها فيما بعد.
الآية سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّمما يعني أن الله هو الحق. هذه الآية تعد من آيات الملاحم، أي أنها تخبر عن غيبٍ مستمر. كما أن سورة الكوثر تخبر عن غيب مستمر كذلك، فهي تخبر أن ذرية الرسول سوف تبقى إلى يوم القيامة ” إنا أعطيناك الكوثر” ذرية فاطمة وكذلك في الطرف الآخر “إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ” هذه الآية كما في الآية “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ “يعني عدم التوقف، إنه تعبير مضارع، ففي كل زمن سوف ينكشف لأهله آيات لم تكن قد انكشفت لمن كان قبلهم. يخاطب القرآن حين نزول الآية الناس: سنريكم آيات لم تكونوا تعرفونها في الآفاق والكون وفي هذا الوجود وفي أنفسكم بالخصوص، ولكن على الأقل في الآفاق أي في الكون بأكمله وأنفسكم أي نفس الإنسان وجسده وعقله وتفاصيل تركيبه البدني والنفسي وما إلى ذلك. ومن الواضح أننا لا زلنا نجهل كثيرًا عن أمور النفس، وكذلك عن الكون، فكما لو أن القرآن يقول: إني أكشف لكم وأريكم الآيات دائمًا إلى أن تصلوا إلى نتيجة حتى يتبين لهم. فإذا عاند أحد أو كفر فيكون جاحدًا بها “وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ “، فهم لا يكذبون بل يجحدون وتتحدث الآية عن ملاحم، مما يعني أن المستقبل كشاف، فالبشر يكتشفون، ولكن بإذن الله. فسنريهم ونظهر لهم سواء في الآفاق أو الأنفس فإنها تدل على وجود الله حتى يتبين لهم أنه الحق “أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” رب العالمين يشهد على هذه القضية، وهي إراءة الآيات بشكل مستمر حتى نصل إلى نتيجة تبين الحق.
والإمام الصادق لما يقف عند هذه الآية يقول: وأي آية في الآفاق أكبر منا لأهل الأرض؟ فكيف يمكن أن يكون أهل البيت آيات تدل على الله؟
المحور الثاني: كيف يمكن أن يكون أئمة أهل البيت والمعصومين آيات على الله بحيث تحقق أهدافنا؟ ومن ضمن أهدافنا إمكانية تمثيل ذلك حتى لغير المسلم دليلًا على الله تبارك و تعالى أنجحد من باب “جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم “مرةً نتكلم عن كونهم آيةً بنحوٍ عام هذا في كل شيءٍ له آيةٌ فيا عجبًا كيف يُحصى الإله أم كيف يجحده الجاحد و في كُل شيءٌ له آيةٌ تدل على أنه واحد، ففي القرآن مثلًا استدل بالذباب: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُو(الحج73) وفي دعاء الافتتاح وصلِّ على علي امير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين عبدك ووليك وأخي رسولك وآيتك الكبرى.
أمير المؤمنين آية فكيف يكونون آيات على الله تبارك وتعالى؟
يكونون على نحوين:
النحو الأول: للمؤمنين بالله هم آيات وأدلة بأقوالهم وأفعالهم ومواقفهم قكل حركة من حركاتهم تدل على الله تعالى.
سواء كان أمير المؤمنين ورسول الله مثلا كل قول منهم دال على الله تعالى كخطبهم في التوحيد.
مثلا في دعاء الإمام الحسين (ع) يوم عرفة عن التوحيد وعن العشق الإلهي هذه دلالة على الله بـأقوالهم.
أما الدلالة بالأفعال: كل فعل يقومون به هو لأجل الله. (إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني) هذه كلمات تدل على الله.
كذلك القرآن الكريم دليل على الله وهو الدليل الوحيد الذي يدل على نبوة المصطفى (ص).
هناك معجزات حصلت في زمن النبي لكن لم تنقل بالتواتر ووثقها القرآن. (وانشق القمر) –(ثم دنا فتدلى)
القرآن الدليل الوحيد والمعجزة الخالدة التي تدل على نبوة النبي محمد (ص)، وتثبت كل دعواه، وقد اجتمعت في القرآن ظواهر متعددة كل واحدة منها تمثل أمرًا خارقا، مثلا :
1-إخباره بالمغيبات
2- تحدى بالفصاحة والبلاغة
3- أن لا اختلاف فيه
4- العلوم والمعارف التي جاء بها القرآن.
القرآن احتوى على ظواهر خارقة لا تتكرر والذي نزل هذا القرآن، وجمع كل هذه الظواهر الخارقة هو قدرة خفية مطلقة ليست من قدرات البشر وإلا تكرر مثله.
وأهل البيت هم عدل القرآن، فإذا اجتمعت كل هذه الظواهر في القرآن، فكذا الأمر بالنسبة للمعصومين ومستحيل أن تجتمع هذه الظواهر في شخص غيرهم.
مثال على ذلك: أمير المؤمنين: كل ظاهرة خارقة اجتمعت فيه ليس بمنطق ديني وإنما بمنطق عقلي ومنها:
1-ولادته في الكعبة
2-شجاعته
3-فصاحته
4-البعد المعرفي لديه
5- البعد السلوكي عنده
6- البعد الأخلاقي
منظومته الأخلاقية والسلوكية لا تجتمع في غيره، إن اجتماع هذه الظواهر في رجل واحد غير معقول، بهذا يكون الإمام علي من الأدلة الواضحة على الله. وكذلك الحسين دليل على الله.
وهذه مثلًا ظاهرة واحدة من الظواهر التي اجتمعت في الحسين عليه السلام، وهي احتفاء الكون كله به، وخلود ثورته حيث اجتمع كل الطواغيت على طمس ثورته وقضيته، ولكن هذا الاجتماع قابله تلؤلؤ وتألق وارتباط من الناس به.